كلمة الحزب في فعالية إعلان التشكيل الوزراي لحكومة ظل حزب بناء السودان

السبت, 12 أكتوبر 2019 19:04

كلمة الحزب في احتفالية تدشين حكومة ظل حزب بناء السودان
12 أكتوبر 2019

الخرطوم - دار حزب بناء السودان

العزيزات والأعزاء أعضاء حزب بناء السودان
السيدات والسادة الحضور الكريم

أرجو أن نقف جميعا، لدقيقة لنتذكر ونترحم على شهداء الوطن في مسيرة نضاله ضد نظام الحركة الإسلامية البائد ...
((وقوف الحضور لدقيقة حداد))

العزيزات والأعزاء أعضاء حزب بناء السودان
السيدات والسادة الحضور الكريم

نحتفي اليوم في حزب بناء السودان بتدشين أول نشاط جماهيري للحزب وأرواح الشهداء العطرة تذكرنا بواجبنا الوطني لنمضي في مسيرة بناء السودان كما حلمنا به معهم. كما أن أعين أطفال السودان المتطلعة إلى مستقبل أفضل، يسوده السلام والطمأنينة وإعلاء قيمة المواطن وقيمة العمل الدؤوب لرفعة الوطن وأبناءه، تظل حافزا لنا لنواصل المسير في الطريق الذي اخترناه سوية في حزب بناء السودان لإعادة رسم شكل الممارسة السياسية في السودان كليا، ليصبح المواطن هو قمة أولويات الحركة السياسية لا المصالح الحزبية ولا الصراع الأيديولوجي ولتتوقف عجلة الحرب الأهلية التي ما تلبث أن تهدأ حتى تدور مرة أخرى حاصدة أرواحا ومخلفة يتامى وثكالى ونازحين ومعاقين، تارة باسم الأيديولوجيا كما في مجزرة الجزيرة أبا وتارة باسم الدين في حرب الجنوب وتارة باسم صراع المركز والهامش المفتعل في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان.

استوقفنا الكثيرون ليتساءلوا، عن ضرورة تأسيس حزب سياسي جديد في السودان؟
لا يخفى على أي مواطنة أو مواطن سوداني أن الحركة السياسية السودانية كلها أصبحت عاجزة عن مخاطبة مشاغل وطموحات وإشكالات المواطنين، فالأحزاب السياسية السودانية تعيش في مرحلة تاريخية مفارقة للعصر ومحنّطة في هياكل تنظيمية وشخصيات قيادية لعقود من الزمن، نتيجة لذلك ظلت معظم قضاياها التي تتبناها وتطرحها وتدافع عنها تارة بالانقلابات العسكرية وتارة بحمل السلاح وتارة باستخدام الدين أو الطائفية أو التحالفات السياسية القائمة على مصالح الأحزاب المتحالفة، ظلت بعيدة عن هموم المواطن وحقوقه في عيش حياة كريمة. نتيجة لذلك فقد اتسعت الهوّة بين الأحزاب السياسية والمواطن السوداني، وفقد المواطن السوداني الثقة في أن الأحزاب السياسية باستطاعتها أن تقدم حلولا لمشاكل حياته اليومية.

 

العزيزات والأعزاء أعضاء حزب بناء السودان
السيدات والسادة الحضور الكريم

الحاجة لأسلوب جديد في العمل السياسي، دعت إليها أسباب متعددة أهمها:
- أولا: اكتفاء الأحزاب والمنظمات السياسية بعرض المنطلقات الفكرية العامة وعدم وضعها برامج تفصيلية تترجم للمواطن أيديولوجياتها النظرية في شكل برامج واضحة المعالم والأهداف وطرق التنفيذ، كطرح خطة الحزب لحل مشكلة أكثر من 3 ملايين طفل خارج النظام التعليمي، ومشكلة أن أكثر من نصف خريجي الجامعات دون عمل إضافة إلى مشاكل الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء.
- ثانيا: تركيز الخطاب السياسي لمختلف الأحزاب على القضايا السياسية والثقافية كالهوية والدين والدولة ومصادر التشريع ونظام الحكم، برلمانيا كان أو رئاسيا، مع إهمال طرح المعالجات للمشاكل المعيشية والحياتية اليومية للمواطنين، مما عزز الانطباع أن السياسيين هم طلاّب سلطة لأجل السلطة، وليس باعتبار السلطة وسيلة لتحقيق تطلعات الشعب في عيش حياة كريمة.
- ثالثا: عدم تطوير القوى السياسية لهياكلها التنظيمية بما يتفق ومطلوبات تفاعلها مع المواطنين وقضاياهم. نعي هنا أن نظام الإنقاذ البائد لعب دورا رئيسيا في تأخر تطور الأحزاب، لكن السياسة هي فن إدارة الممكن، وقدرة الحزب على إيجاد حلول لتطوير نفسه رغم الظروف التي فرضها نظام الإنقاذ البائد، تشير ضمنا إلى قدرة الحزب على إيجاد حلول لمشاكل المواطنين، فكيف لنا كمواطنين أن نثق في أحزاب فشلت في إيجاد حلول لتطور نفسها، لنترك لها أمر تطوير الوطن بأكمله. من المهم أيضا أن نذكر أن هذه المنظومات السياسية عجزت عن تطوير نفسها وخطابها حتى خلال الفترات الديمقراطية التي تخللت سنوات الأنظمة الدكتاتورية المتعددة التي حكمت السودان، فالتحجج بسنين الإنقاذ ليس مقبولا في سياق قراءة تاريخ الحركة السياسية في السودان منذ الاستقلال.
- رابعا: ارتباط معظم القوى السياسية بخلفيات طائفية أو إثنية أو جهوية أو قبلية أو دينية، مما أدى إلى أن يكون التنافس بينها لا بناء على البرامج المطروحة للناخب، بل على القدرة على تشكيل ضغط على بقية القوى السياسية، وقد يكون هذا الضغط باستخدام عدة طرق منها في إطار حكم ديمقراطي: الانسحاب من الائتلافات الحاكمة كما حدث في الديمقراطية التي عقبت سقوط نظام نميري، والمحاولات المتكررة لإسقاط الحكومة الديمقراطية بسبب خلافات لا تتعلق بالبرامج ومدى الاتفاق عليها. أما في إطار حكم ديكتاتوري كالنظام المخلوع، فإن بعض هذه القوى لجأ لاستخدام السلاح والمليشيات.

 

أدى كل ذلك إلى فشل التجارب الديمقراطية المتعددة وكذلك إلى إجهاض التقدم نحو ديمقراطية فاعلة بالانقلابات العسكرية وتسلط الأنظمة الشمولية. هذا الواقع أوضح بجلاء أن قواعد العملية السياسية في السودان منذ الاستقلال وحتى يومنا هذا، لا تنتج في المسرح السياسي غير العسكر، تجار الدين، أمراء الحرب والطائفية والمتسلقين. كما أدى هذا الفشل السياسي الذي استمر منذ الاستقلال، إلى حروب أهلية عديدة ما زال على إثرها هناك مئات الآلاف من السودانيين يعيشون في معسكرات النزوح واللجوء ويحرم الأطفال من الغذاء والتعليم والأمان وتتعرض النساء لأقصى اشكال الانتهاك.

 

العزيزات والأعزاء أعضاء حزب بناء السودان
السيدات والسادة الحضور الكريم

اعتمادا على هذه القراءة، في ديسمبر 2013 شكل مجموعة من المهنيين السودانيين، أول حكومة ظل في السودان، ضمت عددا من المتطوعين الذين اتفقوا حول هذا التحليل للأزمة السياسية في السودان، وشكل هؤلاء المتطوعون الذين انتموا لخلفيات سياسية وايدولوجية وأحزاب متعددة، حكومة الظل السودانية التي طرحت برامجا وحلولا ومشاريع مختلفة لمشاكل المواطن السوداني. ظلت حكومة الظل السودانية في حال تفاعل مع واقعها ومع الواقع السياسي وقدمت نقدا لنفسها ودورها بشكل دوري وبعد خمسة سنوات، تحديدا في فبراير 2018، دعت حكومة الظل السودانية إلى تشكيل حزب سياسي جديد ينقل رؤيتها إلى الواقع السياسي كمنافس يدفع القوى السياسية لطرح برامجها لإدارة الدولة السودانية ووضع حلول لمشاكل المواطنين. توصلت حكومة الظل السودانية إلى هذا القرار بالأغلبية، ورأى بعض المتطوعون فيها البقاء في أحزابهم السابقة لمحاولة تطويرها وغادروا المشروع على أمل أن تجمعنا ساحات التنافس السياسي المبني على رسم البرامج التي تجعل من المواطن هو القيمة الأعلى في التنافس السياسي، لا طلب السلطة ولا الصراع الأيديولوجي.

 

العزيزات والأعزاء أعضاء حزب بناء السودان
السيدات والسادة الحضور الكريم

كانت هذه هي بذرة تأسيس حزب بناء السودان.

كانت تجربة حكومة الظل السودانية، التي ضمت أفرادا من خلفيات أيديولوجية مختلفة لصياغة برامج لإدارة الدولة السودانية، نموذجا فريدا وتطبيقا عمليا لفكرة أنه يمكن لأفراد من خلفيات أيديولوجية مختلفة أن يتفقوا حول حلول لمشاكل المواطنين، فقررنا في حزب بناء السودان أن نستمر في ذات التوجه كأول حزب سياسي في السودان وأفريقيا والشرق الأوسط يتضمن أفراد بأيديولوجيات متعددة، يسعون جميعا للاتفاق حول حلول مشاكل الوطن دون تعصب أو تمسك بأيديولوجية محددة. انتقدت القوى السياسية التقليدية هذا التوجه متناسين تماما أن تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، الذي يقوم الآن بإدارة الدولة في السودان عبر مجلس الوزراء هو الآخر جسم سياسي يضم كيانات من خلفيات أيديولوجية متعددة، ومع هذا يستطيع الاتفاق حول إدارة الدولة خلال الفترة الانتقالية بعد سقوط النظام البائد.

نحن في حزب بناء السودان، فخورون أننا أول حزب سياسي يعترف بالأيديولوجيات ويسعى إلى تجميعها في حاوية براقماتية شاملة متجاوزا الاستقطاب والصراع السياسي القائم على الأيديولوجيات، ليستفيد من الحوار الداخلي بين مكوناته المختلفة-المرجعية للوصول لحلول لمشاكل المواطنين باستخدام الآليات الديموقراطية.

 

العزيزات والأعزاء أعضاء حزب بناء السودان
السيدات والسادة الحضور الكريم

نحن في حزب بناء السودان، كحزب سياسي عابر للأيديولوجيات، نفخر أن مرجعنا في الفكرة هو نموذج سوداني خالص، تشكل في 2013 تحت مسمى حكومة الظل السودانية، بيد كفاءات سودانية لا نشك في اخلاصها وحبها للوطن رغم تنوع أحزابها وأفكارها وأيديولوجياتها. ولا نخفي سرورنا أيضا بصعود نجم حزب سياسي آخر في الفضاء العالمي، يتبنى عبور الأيدولوجيات لتجاوز الاستقطاب السياسي الحاد في فرنسا، وهو حزب "الجمهورية إلى الأمام" الذي تشكل في 2016 ونجح في اقناع الفرنسيين في أشهر قليلة ليحصد أغلبية مقاعد البرلمان وأن يصل إلى السلطة في الانتخابات الرئاسية، بقيادة إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي الحالي. كما أننا أيضا لا نخفي سرا، عندما نذيع سعادتنا بتشكيل قوى اعلان الحرية والتغيير للحكومة الانتقالية منطلقين أيضا من منصة عبور الأيديولوجيات بتحالف أحزاب بأيديولوجيات متعددة لقيادة الدولة في هذه المرحلة الهامة والحرجة من عمر السودان.

إن أسلوب حكومة الظل المتبع في عدد من الدول كجامايكا وكندا وأستراليا واليابان ونيوزلندا وبريطانيا، هو أسلوب أثبت للفكر السياسي أنه أحد الطرق الناجعة لتعرض الأحزاب السياسية التي لا تتولى السلطة برامجها وأفكارها القابلة للتطبيق، للمواطنين في شكل حزم برامج وقرارات سيتخذها الحزب إذا ما كان في السلطة، لذا نشأت أول حكومة ظل في ماليزيا في ديسمبر 2018، وفي فرنسا في نوفمبر من نفس السنة. ونحن إذ نفخر أنه عندما ابتدر عدد من الكفاءات السودانية الوطنية فكرة حكومة الظل السودانية في 2013 لم تكن الفكرة حينها ذائعة الانتشار، فحكومة الظل في جاميكا تشكلت في 2016، بينما تشكلت أول حكومة ظل في جنوب أفريقيا في عقب انتخابات 2014.

 


العزيزات والأعزاء أعضاء حزب بناء السودان
السيدات والسادة الحضور الكريم

إن أسلوب حكومة الظل هو سمة من سمات نضوج الديموقراطية، ونحن باتباعنا لهذا الأسلوب نسعى إلى أن نساهم في ترسيخ الممارسة الديموقراطية في السودان. تاريخيا نشأت حكومات الظل لتكون البديل المتأهب لحكم الدولة في حال سقوط الحكومة الفعلية في البرلمان، لكن تطور الفكر السياسي أدى لمزيد من نضوج المفهوم ليصبح في الدولة الواحدة أكثر من حكومة ظل، ففي كندا، على سبيل المثال، تسمى حكومة ظل الحزب الثاني في البرلمان، من حيث عدد المقاعد: حكومة الظل الرسمية. بينما تسمي بقية الأحزاب حكومة ظلها الخاصة، كحكومة ظل الحزب الليبرالي في الدورة البرلمانية الحادية والأربعون للبرلمان الكندي بينما شكل الحزب الديموقراطي الجديد حكومة الظل الرسمية في البرلمان.

ونحن في حزب بناء السودان إذ نعلن تشكيلنا الوزاري لحكومة ظل حزب بناء السودان، فإننا نسعى:
- أولا: إلى ترسيخ مفهوم أن الأحزاب يجب أن تخاطب المواطنين ببرامجها ومشاريعها وقراراتها التي ستنفذها بالتفصيل في حال وصولها للحكم بدلا من الاكتفاء بشعارات على شاكلة مجانية التعليم والخدمات الصحية دون تخطيط حقيقي لكيفية تنفيذ هذه الشعارات.
- ثانيا: نسعى لإشراك المواطن في صياغة البرامج عبر آليات تفاعل حكومة ظل حزب بناء السودان مع مجموعات الضغط ومؤسسات المجتمع المدني التي سيتم اشراكها في مناقشة مشاريعنا وبرامجنا.
- ثالثا: سنعمل على انتقاد سياسات الحكومة الحالية والحكومات القادمة في حال احتمالية عدم وصولنا للسلطة، عبر عرض سياساتنا البديلة التي تتم دراستها بواسطة مختصين وبإشراك المواطن ومؤسسات مجتمعه المدني ، بدلا من الاكتفاء بنقد القرارات والممارسات الحكومية، الأمر الذي لا نخفي سرا عندما نقول أنه في حال قامت الحكومة الفعلية بتنفيذه، فإنه سيكون من دواعي سرورنا لأنه في رؤيتنا سيصب في مصلحة المواطن، فبرامجنا التي نرسمها، أعدت وفق أساليب علمية وبعقول فذة يمتلكها حزبنا وبإشراك صاحب السلطة العليا، المواطن. فسيكون مقابل كل وزير فعلي في الحكومة الفعلية الحالية، وزير للظل في حكومة ظل حزب بناء السودان يراقب أدائه ويعقب على قراراته ويطرح الحلول البديلة في حال معارضتنا للقرار أو البرنامج الذي تطرحه الحكومة الفعلية للتنفيذ.

 

 

العزيزات والأعزاء أعضاء حزب بناء السودان
السيدات والسادة الحضور الكريم

إن أهم أسباب الحرب الأهلية التي تدور رحاها بشكل متكرر طيلة تاريخ السودان الحديث، هو انعدام التنمية في مختلف مناطق السودان، إضافة إلى عدم وجود خطاب سياسي حقيقي يخاطب تطلعات المواطنين في عيش حياة كريمة، فالعروبة وبرنامج الصحوة الإسلامية وقضية الهامش والمركز وكفاح الطبقة العاملة الثورية لا يجلب الماء إلى شرق السودان ولا يوفر التعليم لنازحي معسكرات دارفور ولا يوفر الدواء في المستشفيات ولا يساهم في تطوير الزراعة في الجزيرة ولا يحل مشكلة تكرر احتراق المزارع في الشمالية ولا يدرأ ضرر السيول المتكرر في كسلا، إنما يحل كل ذلك هو التخطيط ورسم البرامج المدروسة بعناية وطرحها للمواطنين ليتفاعلوا معها لتحسينها، فالمواطن هو صاحب المصلحة وهو صاحب السلطة العليا، وهو ما نعدكم أنه سيكون أسلوبنا في حزب بناء السودان، لنضع نموذجا للأحزاب السياسية السودانية ولنقطع الطريق أمام أمراء الحرب الذين يسعون إلى الطرق على الهوية والدين والعرق ليمرروا خطابهم بغرض الوصول للسلطة دون أن يكون هناك تخطيط حقيقي لكيفية إدارة الدولة السودانية، هدفنا بذلك أن تكون المواطنة هي القيمة الأعلى، مستنيرين بوعي المواطن السوداني الذي هتف في وجه أسلحة النظام البائد: "يا عسكري ومغرور، كل البلد دارفور".